المادة    
الشيخ: إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: أيها الإخوة والأخوات! وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى. أولاً: أقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ثم بعد شكر الله تبارك وتعالى الذي هو حق واجب على العبد في كل حال، نشكر الإخوة والأخوات الذين رغبوا وأحبوا أن نجتمع ونلتقي في هذه الليلة التي نرجو أن يجعلها الله طيبة مباركة، وبجهودهم وبحرصهم وباهتمامهم كان هذا اللقاء، الذي ندعوه تبارك وتعالى أن يكتب لنا جميعاً أجره، إنه على كل شيء قدير. في الحقيقة أن الموضوعات التي يمكن لأي زائر لمثل هذا الجمع المبارك أن يتناولها كثيرة جداً، والنشاط الذي يقوم به هذا المركز الطيب؛ نشاط منهجي, ويتناوب على القيام بالدروس والمحاضرات, وفيه نخبة من الفضلاء، لا يمكن أن أدخل بينهم عرضاً, ولا أن آتي معهم بجديد؛ ولذلك أحببت -وهذه شبه عادة لي- أن أجعل من مثل هذه الزيارة المباركة فرصة للالتقاء وللتعرف وللإفادة؛ لكي ننقل هذه التجارب إلى مناطق أو ربما إلى دول أخرى إن شاء الله تبارك وتعالى، فهذا الذي أظن أنه هو الحصيلة والرغبة والغاية التي نحققها في هذه الليلة المباركة. فالتدارس والتذاكر في كثير من المشكلات -في نظري- هو الضرورة التي ينبغي أن نتعامل معها في مثل هذه الظروف الحرجة، التي -كما أشار الأخ المقدم وفقه الله- تعيشها الأمة ويعيشها الجميع، ونحن نعاني منها في كل مكان وفي كل زمان؛ بل في كل بيت؛ لأننا نواجه هذه الهجمة وهذه العداوة الشيطانية، التي تتجدد مظاهرها، وتفيد من المحدثات في التقنية والاتصال، وإلا فهي قديمة قدم خلق أبوينا في الجنة. ‏
  1. التعري وعلاقته بالهدف الشيطاني في عداوته

    الشيخ: فنحن نعلم مما قصه الله تبارك وتعالى علينا في القرآن الكريم -ولا سيما في سورة الأعراف- أن الهدف الشيطاني -وهو إبداء العورات وكشفها وتعرية الأجساد- هو ذلك الهدف الذي لا يزال هؤلاء يسعون وراءه، ويريدون من خلاله إفساد العقيدة والدين؛ لأنهم وجدوا أن الوسيلة الكبرى لتغيير العقيدة هي تغيير الأخلاق, وتغيير السلوك، ومن هذا نجد دليلاً عجيباً حقاً على أن هذا القرآن من عند الله تبارك وتعالى، ففي كل عصر من العصور يتفوق أو يغلب دعاة الشيطان, أو تكون لهم الريادة في القوة، نجد أن هذه المظاهر الشيطانية تزداد. الذي يطلع على تاريخ الأزياء أو الموضات أو الملابس عموماً في العالم يجد أنه إلى ما قبل ثمانين سنة أو أقل كانت الميزة والسمة العامة في العالم كله في كل فئاته هي التستر والاحتشام، بينما الموضة الجديدة التي ظهرت الآن, والجاهلية الحديثة, والجاهلية الأخرى التي تقابل الجاهلية الأولى المذكورة في القرآن، هذه لم تظهر إلا في الفترة المتأخرة، وهي انتكاسة وارتداد وعودة بالجماعة البشرية إلى الوضع الذي كان الشيطان يخطط له ولا يزال أبوانا في الجنة.
  2. المرأة بين ما يريده المصلحون وما يريده المفسدون

    الشيخ: فهنا نلحظ إلى أي مدىً يريد هؤلاء أن يعيدونا, وإلى أي هاوية يريدون أن يضعوا فيها هذه الجماعة البشرية، بعد أن حررها الله تبارك وتعالى بالإسلام، وبعد أن بعث إليها هذا الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وكتاب الله يتلى بين أيديها، وهذا لن يكون إن شاء الله، لكن نحن يجب أن نستحث الهمم, وأن نعلم أن هناك مؤامرة كبرى، وأنا لا أحتاج أن أدخل في نفق: هل هي مؤامرة أو غير مؤامرة كما يقولون؛ لأن الذين يبحثون عادة في هذه النظرية إنما يناقشون القضية من مسألة التفكير والتخطيط البشري، أما من كان يؤمن بالله تبارك وتعالى وبكتاب الله, وما ذكر الله تبارك وتعالى عن الشيطان وأوليائه، فلا تحتاج المسألة عنده إلى أن يفكر فيها أصلاً، فهو يعلم أن الشيطان هو وراء كل هذه الفتن، وله أولياؤه، وله أعداؤه, وقد وضحها الله تبارك وتعالى في كتابه: (( وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ))[النساء:27].
    فهذه عداوة بين المصلحين والمفسدين, وبين من يريد التوبة والطهارة والعفة والفضيلة وبين من يريد الشهوات وإثارة الغرائز والفجور والفسق, كما نلاحظه الآن في هذه المعركة، التي لم يعد هناك نوع من المواربة أو التورية أو المداراة بشأنها، بل إن هناك استهدافاً واضحاً للإسلام من حيث هو الإسلام، وللدين والفضيلة والخلق من حيث هي دين وفضيلة وخلق.
  3. احتدام المعركة بين الحق والباطل مؤشر لانتصار الحق

    الشيخ: وهذا الانكشاف على خطورته هو من جانب آخر يعطينا الأمل في أن الله تبارك وتعالى سوف يجعل العاقبة للمتقين. فهذا الدين لم يَغْلب ولم يَتَفَوق في أي مرحلة من المراحل إلا بعد أن تحتدم المعركة, وبعد أن تشتد الوطأة، وبعد أن يُزلزل الأنبياء أو المصلحون أو المؤمنون حتى يقولوا متى نصر الله، فعندئذٍ يأتي النصر من عند الله تبارك وتعالى. والوسائل التي يستخدمها جنود الشيطان أو أعوان الشيطان وأولياؤه في إمكاننا نحن أن نستخدمها أيضاً، مع الفارق الكبير بين عمل يباركه الله تبارك وتعالى ويؤيده ويوفقه، وإن قل العدد وقلت الإمكانيات والجهود، وبين أعمالٍ الشيطان الذي يدفعها ويحركها ويدعمها، ولا شك أن حزب الله هم المفلحون, وهم الغالبون, وهم المنتصرون، وإن حزب الشيطان هم الخاسرون، وهم المدحورون بإذن الله تبارك وتعالى، فهذه من سننه الثابتة في خلقه كما أخبر عز وجل.